الرئيسية » » ديريك معراج حنين الرّوح 11 | صبري يوسف

ديريك معراج حنين الرّوح 11 | صبري يوسف

Written By Unknown on الخميس، 12 فبراير 2015 | 12:15 م

ديريك معراج حنين الرّوح
11

يصدحُ الفنّان حبيب موسى في فضاءِ الأغاني المنبعثة من هياكل الأديرة القديمة، صوتٌ مصهور بتجلِّياتِ شموخِ الجِّبال، كأنّه تتلمذ على تربُّعِ عنفوان الرّيح فوقَ جموحاتِ صخور معلولا المتصالبة معَ إشراقةِ أجنحة السِّريان في أوجِ عصورهم الذَّهبيّة. صوتٌ ممهورٌ بقداسةِ التَّراتيل، يناجي أحفاد جلجامش بشموخٍ باذخ، يزدادُ ألقاً على مسارح متوَّجة بألحانِ الخلود، صوتُهُ يشبهُ بكلِّ تجلِّياتِه اخضرار الحنطة المعشوشبة في مروج المحبّة منذ أمدٍ بعيد، منذُ أن بذرها أجدادُنا في أرض بازبداي، آزخ أمُّ الرّجال الأبطال، أمُّ الإبداع والمبدعين، مروراً بديريك مسقط رأس حبيب موسى، وإنتهاءاً بالقامشلي ثمَّ عبورنا البحار إلى أراضي الله الواسعة!
تتوغَّل أغاني الفنّان حبيب موسى إلى أعماقِ حنين الرّوح، مبلسماً جراحنا الخفيّة على مدى السِّنين، كأنّها بلسمٌ شافٍ لآهاتِ الأزمنة الغابرة، طارحاً تساؤلات عميقة عبر أصالةِ الألحان المموسقة على قياسِ ابتهالاتِ قداسةِ المزامير المخزّنة في ينابيع الألحان السِّريانيّة منذ آلاف السِّنين.
ما هذا التَّجلِّي الرّاقي في بوحِ الأغاني يا أيّها الآتي من برازخ الخالدين، صوتٌ يتماهى معَ ابتهالاتِ بوحِ الرّوحِ لهلالاتِ نُجيمات الصَّباح. صوتٌ ينعشُ الرّوحَ من ضجرِ الزّمان، كأنّه يناجي أحلامنا الغافية في الذَّاكرة البعيدة، كي يوقظَ جموداً قابعاً في قلوبنا منذ عقودٍ من الزَّمان. أيّها المبدعُ المعجون بوهجِ الإنبهار، ينساب صوتُكَ إلى مرافئ القلوب، ماسحاً عن خدودنا دموعاً طافحة من بهجةِ الأفراحِ الغامرة في مشاعرنا العطشى إلى إنعاش أعشاب الرُّوح.
كلّما أسمع حبيب موسى، تتألَّقُ روحي طرباً، أرقص فرحاً من نكهةِ بهجاتِ الإشتعال، أكتبُ شعراً من وهجِ العبورِ في محرابِ أوجِ التَّجلّي، ثمَّ أداعب لوني كأنّي في رحلة عشقٍ مع عناقِ رذاذاتِ المطر، تنهمرُ عليَّ إشراقة بوح الألوان فوقَ خيوطِ الحنين، تتنامى ألواني كأزاهير بوح القصائد، أتوهُ ألقاً وأعودُ أرقصُ بانتعاشٍ عميقٍ على ضوءِ الشُّموع، تُسربلني أغانيه بأشهى ما يبهج الرّوح.
يحلِّق ملكُ الأغنية السُّريانيّة عالياً، كأنّه في أبهى توهُّجاتِ العشقِ، يقطفُ أشهى الغلالِ، ويمنحنا حالات فرحيّة باذخة، فنرقصُ بكلِّ انتعاشٍ على أنغامِ موسيقى وأغانٍ مبلَّلة بعبقِ الأزاهير البرّيّة ومتدفِّقة كتدفُّقاتِ نهر دجلة في أوجِ عطشه إلى تهاطلِ عطاءاتِ الغيوم؟!
أيُّها الفنّان المنبعث من خصوبةِ موجاتِ البحار، ستبقى أغانيك مسربلة بندى الصَّباح، صوتُكَ بوَّابة العبور إلى قصورٍ مشرعة على رفرفات أجنحةِ الإبداع، أيّها العندليب المبرعم من أبراجِ بابل، كم من الشُّموخِ حتَّى تخضّبَت الأغاني مع ضرعِ السَّماء! أراكَ تحلِّقُ كنسرٍ مفروش الجَّناحين، ترفرفُ عالياً فوقَ جبال "طور عبدين"، مروراً بجبل جودي، متوجِّهاً نحو أعلى قمّة من قممِ آرارات، كأنّكَ في حالةِ شوقٍ عميق لعودةِ السَّلام في ربوعِ الأوطان قبلَ أنْ يستفحلَ هديرُ الطُّوفان من طغيانِ شراهاتِ الصَّولجان!

***
من كتابي الجّديد: "ديريك معراج حنين الرّوح"، الَّذي أشتغل عليه بهمّةٍ لا تلين!!!
صبري يوسف





التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.